الاستثمار في القدس مجدٍ رغم ما تمر به من ظروف | |||
المدينة المقدسة بحاجة إلى استثمارات عربية للحفاظ على عروبتها وحمايتها من الاستيطان كتب عبد الرؤوف أرناؤوط: وجد رجل الأعمال المقدسي سامي أبو دية نفسه وسط منطقة أصبحت الأكثر استهدافاً بالاستيطان في القدس الشرقية، ومع اشتداد الهجمة الاستيطانية على الشيخ جراح، فقد وسع من استثماراته التي بدأت في فندق "الامبسادور"، وتوسعت إلى فندق "ريتس"، لتمتد إلى كرم المفتي وقريباً من كوبانية أم هارون، مشيراً إلى انه ببقائه إنما يوجه رسالة الى المستثمرين بأن الاستثمار في القدس مجد برغم ما تمر به من ظروف. يضحك أبو دية عندما يوجه إليه السؤال ان كان يعشق الاستثمار في "عش الدبابير" ويكشف النقاب عن انه يعكف قريباً على البدء بتنفيذ مشروع كبير عبارة عن بناية مكاتب في الشيخ جراح على أرض مساحتها 18 ألف متر مربع، تتكون من 9 طوابق و3 طوابق تحت الأرض بتكلفة تصل إلى 20 مليون دولار، متوقعاً تنفيذ المشروع في غضون 18 -24 شهرا. وقال "حصلنا على التراخيص المطلوبة للبناء .. هناك طلب كبير على المكاتب، ونعتقد ان من شأن هذا المشروع ان يخفف الطلب على الشقق التي يجري استئجارها من اجل تحويلها الى مكاتب، وبالتالي هذا يزيد من المساكن في القدس". المشروع سينفذ في منطقة ملاصقة لكوبانية ام هارون المستهدفة مؤخرا من قبل الجماعات الاستيطانية الاسرائيلية لاقامة بؤرة استيطانية من 200 وحدة استيطانية هناك لمحاولة الفصل ما بين مركز القدس وشمالها. لا يقف التحدي الذي يجد أبو دية نفسه موجوداً فيه عند هذا الحد، إذ ان مكتب شركة "نت" للسياحة التي يملكها يقع جزء منها في أرض كرم المفتي في الشيخ جراح، نسبة الى مفتي القدس الشيخ امين الحسيني، في حين ما زال يحاول استرجاع الجزء الآخر من هذه الأرض التي تحاول جماعات استيطانية اسرائيلية الاستيلاء عليها. وقال أبو دية "كرم المفتي قسمان الاول على 7 دونمات وفيها مقر شركة "نت"، ولا مشكلة فيها، اما القسم الثاني ومساحته 32 دونماً، فاننا ننتظر قراراً من المحكمة بعد ان تم الاستيلاء عليها بحجة أنها أملاك غائبين، علماً أن البلدية ابدت الاستعداد لتحويلها الى منطقة استثمار سياحي". الاستثمار يحمي المدينة ويقول أبو دية "لا بد من الاستثمار في القدس اذا ما أردنا الحفاظ على المدينة، فانعدام الاستثمار فيها يعني عملياً القضاء على مستقبل المدينة وآمال اقامة عاصمة فيها"، ولكنه يضيف "للاسف الشديد فانه ليس هناك استثمار بمعنى الكلمة في المدينة، فاذا ما نظرنا الى قطاع الفنادق مثلا فانه بحاجة الى ما لا يقل عن 1500 غرفة تقدر ان تستوعبهم المدينة الآن"، منوهاً الى وجود تراخيص لثلاثة فنادق في القدس لم يجر استغلالها حتى الآن. بالاضافة الى فندق "الامبسادور"، فان لدى أبو دية فندق "ريتس" في شارع الزهراء، وهو يفكر بمشاريع أخرى في المدينة غير انه يفضل عدم الحديث عنها. واستناداً إلى أبو دية، فان في المدينة الآن اقل من 1000 غرفة فندقية، بدون الاديرة، وقال "العديد من الفنادق الصغيرة جرى للاسف إغلاقها او انها غير مستغلة بسبب عدم وجود الاستثمارات المطلوبة من اجل ترميمها". واضاف: تكلفة الغرفة الفندقية هي ما بين 150-180 الف دولار وهو ما يعني انك اذا ما اردت اقامة فندق من 200 غرفة فانك بحاجة إلى ما بين 30-35 مليون دولار". ويكشف أبو دية النقاب انه في بعض الاحيان تضطر فنادق في القدس الشرقية الى استخدام فنادق في القدس الغربية بسبب شح الغرف الفندقية في القدس الشرقية، وذلك على الرغم من المنافسة القوية ما بين الفنادق الإسرائيلية في القدس الغربية والفنادق الفلسطينية في القدس الشرقية. وكان تم في فترة الالفية الثانية اقامة 3 فنادق اسرائيلية ضخمة فيها مئات الغرف الفندقية على الارض الحرام الفاصلة ما بين شطري المدينة الشرقي والغربي، حيث باتت تنافس الفنادق في القدس الشرقية على كلمة السر التي تجلب السياحة الدينية الى فنادق القدس الشرقية، وهي "المسافة من القدس القديمة"، اي الفترة التي يستغرقها السائح مشياً على الاقدام للوصول الى القدس القديمة التي تشمل المواقع الدينية المهمة. منافسة شرسة ويقول أبو دية "المنافسة ما بين الفنادق في القدس الشرقية والفنادق في القدس الغربية قوية جدا، ولكن في بعض الأحيان نجد أنفسنا مجبرين على استخدام الفنادق في القدس الغربية بسبب شح الفنادق في القدس الشرقية، وهو ما يدلل على الحاجة الى الفنادق في القدس الشرقية برغم الاوضاع السياسية السائدة التي يستخدمها البعض كمبرر لعدم الاستثمار". ولا يكتفي أبو دية بوجود فندقي "الامبسادور" و"ريتس"، بل يشير إلى انه يسعى على الدوام الى تحديثهما مبدياً كل أشكال الرضا عن أوضاعهما، وقال "صحيح أن هناك عقبات ولكنني استثمرت في الفندقين من أموالي الخاصة، ففندق الـ "ريتس" أصلحته مرتين؛ الاولى في العام 1987 والثانية في العام 2007، ودعني اقول لك ان الطلب عليه كبير جدا من قبل السياح لقربه من القدس القديمة". واضاف "أما فندق "الامبسادور"، فقد استثمرت فيه أيضاً مرتين الأولى في العام 1993 والثانية في العام 2000 وقد استثمرت في عدد من مرافقه خلال العامين الماضيين، والآن هو من الفنادق المرغوبة للسياح، وايضا لاعضاء السلك الدبلوماسي في القدس لوجوده بالقرب من القنصليات والمؤسسات الاجنبية الكبيرة في حي الشيخ جراح". عوائق أمام التسهيلات البنكية وعلى مدى سنوات طويلة، أحجمت البنوك العاملة في الضفة الغربية عن تقديم التسهيلات للمشاريع في القدس الشرقية بسبب ما تقول البنوك انها عوائق قانونية تحول دون تمكنها من ضمان استثماراتها في المدينة بسبب عدم وجود ما يمكن البنوك من العمل في القدس الشرقية خلافاً لما هو قائم في الضفة الغربية وغزة. غير ان دبلوماسيين اجانب ومستثمرين في القدس يقولون ان عدداً من البنوك الكبرى في الضفة الغربية بدأت في الآونة الأخيرة تقديم تسهيلات لعدد من المشاريع في المدينة تصل الى عشرات ملايين الدولارات، في وقت يجري فيه البحث عن آليات تمكن من تقديم المزيد من التسهيلات في المدينة. ويقول أبو دية "نعم، هناك نوع من الوعي من البنوك العاملة في الضفة الغربية، فقد بدأت بتقديم تسهيلات مهمة في المدينة، خاصة في حال كان ممكنا الوصول الى اتفاقيات تضمن حقوق البنوك" غير انه يضيف "غير ان ما نحتاج اليه الآن هو اناس يستثمرون في القدس وبحاجة الى دراسات جدوى اقتصادية تشجع البنوك على تقديم التسهيلات". توجهات الاستثمار في القدس ليس ثمة أي نوع من الرضا لدى أبو دية على توجهات الاستثمار الفلسطينية والعربية في مدينة القدس خاصة من قبل المستثمرين ورجال الاعمال في المدينة. ويقول "للاسف هم يحلمون بالقدس ويتحدثون عنها ويبكون عليها، ولكن لا يفعلون أي شيء من أجلها، وهذا دليل ضعف وعدم جدية". وأضاف: السلطة الفلسطينية محرومة من الدخول الى القدس وتنفيذ اي شيء فيها لأسباب عدة، ولكن ايضا المستثمرين العرب والدول العربية لم تقدم اي استثمار يحافظ على عروبة القدس، وهو ما يجعل الحديث عن عروبة القدس والحفاظ عليها مجرد كلام وشعارات لا معنى لها .. لا احد منهم يقوم بخطوات عملية من اجل القدس، وبالتالي فالشعارات مرفوضة". واعتبر أن "هناك محاولات لإبراز القدس بغير ما هي عليه، في محاولة لتبرير الاحجام عن الاستثمار في القدس، وهذا مرفوض لأنه في نهاية الامر سيسبب الاحباط". وفي هذا الصدد، يشير أبو دية إلى انه لا يريد ان يبيع اوهاماً ولا قصوراً في الهواء وإنما يسرد قصته الشخصية، وقال "لقد استثمرت في القدس برغم كل ما يقال عن المدينة واستثماراتي تتوسع اكثر فاكثر ووضعي جيد واعتبر نفسي ناجحاً، وانا اعتبر ان الاستثمار في القدس ناجع وناجح، وذلك من واقع تجربتي الخاصة". لا مكان في العالم بلا مجازفة في نهاية الأمر فإنه بالنسبة لأبو دية فان من يخسر فعلا هو من لا يستثمر في القدس وقال "الاستثمار في القدس لا بد منه، فان لم يكن اليوم فغدا ولكن اليوم أفضل لأسباب عدة، فلا مكان في العالم لا توجد فيه مجازفة، بمستويات متفاوتة، ولا مكان في العالم مثل القدس". وان كانت السياحة تمر اليوم باوضاع جيدة في مدينة القدس، فان ذلك لا ينفي ان المدينة مرت باوضاع صعبة للغاية في الفترة ما بين العام 2000 و2005 في ظل الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث كادت تخلو الفنادق تماما من اي سائح بسبب التطورات الامنية الخطيرة آنذاك. أبو دية يقر بذلك ويقول "نعم، فترة الانتفاضة الثانية وتحديداً في الفترة ما بين 2000-2005 كانت صعبة للغاية، صحيح أنه في الانتفاضة الأولى في نهاية الثمانينيات خفت السياحة غير ان الفنادق واصلت العمل، ولكن في فترة الانتفاضة الثانية فإن قطاع السياحة كله تأثر بشكل كبير جداً بسبب التطورات آنذاك"، ومع ذلك فان أبو دية يملك خبراً ساراً إذ يقول "الخسارة تم تعويضها لاحقا فقد عادت الحركة السياحية". السياحة الدينية في القدس بالإجمال، فان السياحة في القدس الشرقية، او على الأقل السياحة في فندقي أبو دية، هي حاليا من السياحة الدينية، وقال "السياحة اغلبها دينية وتحديدا من الدول المسيحية، مع الإشارة الى ان السياح الذين يأتون الى الاردن وسورية ومصر لا يأتون الى هنا، لو توفر الاستقرار لكان الوضع افضل". وان كان ثمة من ينشط على السياحة الدينية المسيحية فان الاهتمام بالسياحة الدينية الاسلامية يكاد يكون طفيفاً ان لم يكن معدوماً، وذلك بسبب الأوضاع السياحية القائمة التي تحول دون قدوم السياح العرب، سواء مسلمين او مسيحيين، الى القدس، وايضا عدم وجود علاقات دبلوماسية بين اسرائيل وعدد كبير من الدول الاسلامية، ما يحرم السياح هناك من الوصول الى القدس، او ان تكون اسرائيل تفرض قيودا على منح التأشيرات للسياح من تلك الدول. وقال أبو دية "السياحة الدينية الإسلامية مقتصرة تقريباً على أعداد صغيرة من اندونيسيا والهند وجنوب افريقيا، وفي حقيقة الامر فانه لا يوجد تسويق للسياحة الدينية الاسلامية، فضلا عن ان الاسرائيليين غير متحمسين لفتح السوق امام السياح المسلمين، وهو ما يعكس نفسه على اصدار التأشيرات، واعتقد انه لو تغير هذا التوجه لكانت السياحة من تركيا كبيرة جداً". المعطيات التي يوردها أبو دية عن واقع قطاع الفنادق في القدس الشرقية يدفع للاستنتاج بأنه حال الاعلان عن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية في إطار سياسي، فان الفلسطينيين سيجدون أنفسهم في إشكالية كبيرة ازاء امكانية استيعاب تدفق السياح ان كان من الدول المسيحية او الاسلامية. ويتفق أبو دية مع ذلك ويقول "أعتقد أننا سنواجه مشكلة حقيقية"، ويضيف "برغم كل الحديث عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، إلا أن المدينة غير مهيأة بوضعها الحالي، سواء ما يتعلق بمؤسساتها او مراكزها .. صحيح ان هناك معيقات يضعها الاحتلال، ولكن هناك ضعفاً بالأداء أيضاً، وهو ما يتطلب مخططات للمستقبل". وتابع "اذا ما أردت أن اعطي رأيي بالنسبة للسياحة في القدس، فان القدس بالنسبة للسياح هي بلدة القدس القديمة ومحيطها مثل الشيخ جراح، وسلوان، وجبل الزيتون" معبراً عن اعتقاده بأن "هناك مجالاً للتطوير، وأنا على يقين من انه خلال العامين القادمين فإننا سنشهد عدداً من المشاريع" دون الإفصاح عن تفاصيل ذلك. وقال "انا أشجع أي شخص يريد الاستثمار في القدس فلا بد من الاستثمار، وان يأتي متأخراً خيراً من أن لا يأتي أبداً". شركة "نت" إلى جانب فندقي "الامبسادور" و"ريتس"، فان أبو دية يملك شركة "نت" للسياحة، وقال "الاستثمار في مجال الحافلات السياحية ليس مجدياً كثيرا، غير انه مهم للحفاظ على نوعية رفيعة من الخدمات، فانا استلم السياح من المطار وأعيدهم إلى المطار، أو أي من المعابر وهذه هي الفائدة للاستثمار في قطاع الحافلات". | |||
تاريخ نشر المقال 09 كانون الأول 2010 |
الخميس، 9 ديسمبر 2010
قال أبو دية "السياحة الدينية الإسلامية مقتصرة تقريباً على أعداد صغيرة من اندونيسيا والهند وجنوب افريقيا،
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق